إدارة الإفتاء

بابُ زكاةِ الفِطْرِ.

بابُ زكاةِ الفِطْرِ.

  • بابُ زكاةِ الفِطْرِ.

1- حُكمُها:

زكاةُ الفطرِ صدقةٌ واجبةٌ بالفطرِ من رمضانَ على كلِّ مسلمٍ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: « فَرَضَ رَسُولُ اللهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» [متّفق عليه].

2- وقتُ وجوبِها:

تجبُ زكاةُ الفطرِ بغُروبِ الشّمسِ من ليلةِ العيدِ؛ فمنْ ماتَ أو أعسَرَ قبلَ الغُروبِ؛ فلا زكاةَ عليهِ. وإن حصلَ الموتُ أو الإعسارُ ونحوُهما بعد الغُروبِ؛ فإنّ الزّكاةَ تستقرُّ في ذمّتِه؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ...» [رواه التّرمذيّ، وصحّحه]. والفطرُ من جميعِ رمضانَ يكونُ بغروبِ الشَّمسِ ليلةَ العيدِ.

3- على من تجبُ زكاةُ الفِطرِ؟

تجبُ زكاةُ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ يجدُ ما يَفْضُلُ عنْ قُوتِهِ، وقُوتِ عِيالِه يومَ العيدِ وليلتَهُ؛ زائداً عمّا يحتاجُه منْ مسكنٍ، وخادمٍ، ودابّةٍ، وثيابِ بَذْلَةٍ -ما يمتهنُ من الثِّيابِ-، وكُتبِ علمٍ؛ لأنّ النّفقةَ أهمُّ فيجبُ البداءةُ بها؛ لقولِه r: « ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا؛ فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهْلِكَ...» [رواه مسلمٌ].

- وتلزمُهُ عن نفسِه وعنْ منْ يمونُهُ من المسلمينَ؛ كزوجتِهِ، وولدِهِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: « أَمَرَ رَسُولُ اللهِ r بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ مِمَّنْ تَمُونُونَ» [رواه الدارقطنيُّ].

فإنْ لمْ يجدِ المُعيلُ فِطْرةً تكفي لجميعِ من يعُولهم: بدأ بنفسِهِ؛ لأنّ الفطرةَ تنبني على النّفقةِ، وفي الحديث «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» [رواه مسلم]، ثمّ بزوجتِهِ؛ لأنّ نفقتَها مقدّمةٌ على سائرِ النّفقاتِ، وواجبةٌ مع اليسارِ والإعسارِ، فرقيقِهِ ؛ لوجوبِ نفقتِه مع الإعسارِ بخلافِ الأقاربِ، فولدِه؛ لأنّ نفقتَه منصوصٌ عليها، ومجمعٌ عليها، فأمِّه؛ لأنّها مقدّمةٌ في البرِّ؛ لحديث أبي هريرة t قال: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ-وفي رواية: من أبرُّ؟- قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ » [متّفق عليه، والرواية لمسلم]، فأبيهِ؛ للحديثِ السّابقِ، فالأقربَ في الميراثِ؛ لأنّ الأقربَ أولى من الأبعدِ؛ فيُقَدَّمُ.

- وتجب الفِطرةُ على من تبرّعَ بمُؤنةِ شخصٍ-كمَنْ يكفلُ يتيماً- شهرَ رمضانَ؛ لعُمومِ حديثِ ابنِ عمر السّابقِ: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ r بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ... مِمَّنْ تَمُونُونَ ». فإنْ تبرّعَ بمُؤنتِهِ بعضَ رمضانَ؛ ولو آخرَهُ لمْ تلزمْهُ.

ولا تجبُ الفِطرةُ على منِ استأجرَ أجيراً بطعامِهِ؛ لعدمِ دخولِه في نصِّ الحديثِ، ولأنّ الواجبَ ها هُنا الأجرةُ المشترطةُ في العقدِ؛ فلا يُزادُ عليها.

4- زكاةُ الفطرِ عنِ الجنينِ:

تُسنُّ زكاةُ الفطرِ عنِ الجنينِ؛ لما رواهُ حميدٌ الطويلُ: « أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنِ الْحَبْلِ» [رواه ابن أبي شيبة]، ولأنّها صدقةٌ عمّن لا تجبُ عليهِ؛ فكانتْ مستحبّةً كسائرِ صدقاتِ التّطوّعِ.

فصلٌ

في إخراجِ زكاةِ الفطرِ

1- وقتُ إخراجِها:

يبدأُ وقتُ إخراجِها بغُروبِ الشَّمسِ ليلةَ العيدِ، وينتهي بغروبِ شمسِ يومِ العيدِ.

أ- والأفضلُ إخراجُ الفِطرةِ يومَ العيدِ قبلَ الصّلاةِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: « فَرَضَ رَسُولُ اللهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ...وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاَةِ» [متّفق عليه].

ب- ويُكرهُ إخراجُها بعدَ الصّلاةِ؛ خروجاً من الخِلافِ في تحريمِها، ولحديثِ ابنِ عمر مرفوعاً: « أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ » [رواه الدارقطنيُّ، وضعّفه النّوويُّ وابنُ حجرٍ وغيرُهما]؛ فإذا أخّرها إلى ما بعدَ الصلاةِ لمْ يحصلِ الإغناءُ للفقراءِ في اليومِ كلِّهِ.

ج- ويحرمُ تأخيرُ الفطرةِ عن يومِ العيدِ مع القُدرةِ؛ لأنّه تأخيرٌ للحقِّ الواجبِ عن وقتِهِ؛ فلا يجوزُ.

2- قضاؤُها بعد وقتِها:

منْ أخّرَ الفِطرةَ عن يومِ العيدِ فإنّه يقضِيها مع الإثمِ إن كانَ عامداً؛ لأنّها عبادةٌ؛ فلمْ تسقُطْ بخروجِ الوقتِ كالصّلاةِ، وهي حقٌّ ماليٌّ وجبَ في الذِّمّةِ؛ فلا يسقطُ بفواتِ وقتِه كالدَّيْنِ.

3- تعجيلُها:

تُجزئُ الفِطرةُ قبلَ العيدِ بيومينِ لا أكثرَ؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: « وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ » [ رواه البخاري].

3- مقدارُها:

الواجبُ في الفِطرةِ عنْ كلِّ شخصٍ: صاعُ تمرٍ، أو زبيبٍ، أو بُرٍّ، أو شعيرٍ، أو أقِطٍ؛ لحديث أبِي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: « كُـنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَـاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَـاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ - اللّبنُ المجفّفُ -، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيب » [متفق عليه]. والصّاعُ يساوي كيلوين وأربعين غراما (2.040كغ) من القمح الجيِّد.

ويجزئُ دقيقُ البُرِّ والشَّعيرِ؛ إذا كانَ بمقدارِ وزنِ الحبِّ؛ لزيادةِ ابنِ عيينة في حديثِ أبي سعيدٍ السّابقِ: «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» [رواه أبو داود، وقال: الزِّيادةُ وهمٌ من ابنِ عُيينة]. ولأنّ الدّقيقَ قد كُفيَ الفقيرُ مُؤنتَه فهو أولى بالإِجزاءِ؛ كتمرٍ نُزِعتْ نَواهُ.

- ومنْ عدِمَ الأصنافَ الخمسةَ المذكورةَ: يُخرج ما يقومُ مقامَها من حبٍّ يُقتاتُ؛ كذُرَةٍ، وأرزٍ، وعدسٍ؛ لأنّه أشبهُ بالمنصوصِ عليهِ؛ فكانَ أولى من غيرِهِ.

[قال المرداويُّ في الإنصاف (3 / 182):

« وَقِيلَ: يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ. وقال ابنُ تَمِيمٍ: وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْزِئُهُ من قُوتِ بَلَدِهِ مِثْلُ الأُرْزِ وَغَيْرِهِ؛ وَلَوْ قَدَرَ على الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ في الحديث. وَذَكَرَهُ رِوَايَةً، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ ابنُ رَزِينٍ وَحَكَاهُ في الرِّعَايَةِ قَوْلاً »].

4- إعطاءُ الجماعةِ فطرتَهم لواحدٍ:

يجوزُ أن تُعطيَ الجماعةُ فِطرتهم لواحدٍ؛ لأنّها صدقةٌ واجبةٌ؛ فجازَ أن يُدفعَ للواحدِ فيها ما يلزمُ الجماعةَ؛ كصدقةِ المالِ.

ويجوزُ أن يعطيَ الواحدُ فطرتَه لجماعةٍ؛ لإطلاقِ آيةِ: ) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء ( [التّوبة: 60].

[قال ابنُ قدامةَ في (الشرح الكبير) (2/667): « أمّا إعطاءُ الجماعةِ ما يلزمُ الواحدَ؛ فلا نعلمُ فيه خلافاً »].

4- إخراجُ القِيمةِ:

لا يجزئُ إخراجُ القيمةِ في الزّكاةِ مطلقاً؛ سواء كانت في المواشِي أو المعشّراتِ أو زكاةَ فطرٍ؛ لمخالفتِه للنُّصوصِ الواردةِ في بيانِ ما تُخرجُ منه زكاتُها.

5- شراءُ الزّكاةِ:

يحرمُ على الشَّخصِ شِراءُ زكاتِهِ وصدقتِهِ؛ ولوْ اشْتَراها مِن غيرِ مَنْ أخذَها منه؛ لقولِ النّبيّ r لعمرَ بن الخطابِ t -حين أراد أن يشتريَ فرساً جعله في سبيلِ اللهِ-: « لا تَشْـتَرِي، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ » [متّفق عليه].

[وإنْ رجعتْ إليهِ زكاتُهُ أو صدقتُهُ بإرثٍ، أو هبةٍ، أو وصيّةٍ: جازَ بلا كراهةٍ؛ لحديث بُريدة t قال: « قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ؛ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ » [رواه مسلم]. ].

وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء